١٤ أيلول ٢٠٢٥ كتبت صفاء عياد 
بعد نحو عامين من الأخذ والرد، وافقت الحكومة اللبنانية على منح شركة "ستارلينك"، التابعة لـ "SpaceX"، والمملوكة من الملياردير الأميركي إيلون ماسك، ترخيصاً لتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية في لبنان. القرار إستقبله البعض بحفاوة، إذ اعتبروا أن الإنترنت الفضائي سيشكّل حلاً جذرياً لتردّي خدمات الإنترنت المزمنة، بل رأوا فيه انتصاراً على "حزب الله" في ملف الاتصالات. في المقابل، حذّر خبراء ونواب من مخالفات قانونية، ومخاطر على السيادة الرقمية والأمن الوطني. من القرم إلى الحاج: مسار طويل متعثّر يعود طرح إدخال "ستارلينك" إلى عهد وزير الاتصالات السابق جوني القرم، إبّان" حرب الإسناد"، حين طُرحت الخدمة كخطة طوارئ لضمان استمرارية الاتصال في حال استهداف البنية التحتية للاتصالات. يومها، قدّمت جهة مانحة 150 جهاز "ستارلينك" كهبة للهيئات الرئاسية والحكومية والإغاثية، ولم يكن الهدف توفير الخدمة للمواطنين العاديين. لكن الأجهزة الأمنية عارضت إدخال الأجهزة، نظراً لقدرتها على التفلّت من الرقابة والوصول المباشر إلى الأقمار الاصطناعية من دون المرور عبر "أوجيرو"، ما يعني فقدان السيطرة على بيانات المستخدمين. كذلك، سجّلت لجنة الإعلام والاتصالات النيابية اعتراضات واسعة على المشروع. ثم عاد الملف إلى الواجهة مع وزير الاتصالات الحالي شارل الحاج، الذي أجرى سلسلة لقاءات مع وفود "ستارلينك". كما جرى اتصال هاتفي بين ماسك ورئيس الجمهورية جوزاف عون، في حزيران الماضي، أعرب خلاله الأخير عن استعداده لتسهيل دخول الشركة إلى السوق اللبنانية ضمن القوانين المرعية. لاحقاً، عقد مدير الترخيص العالمي في "ستارلينك"، سام تانر، اجتماعات مع رئيس الحكومة نواف سلام والوزير الحاج، بحضور السفيرة الأميركية ليزا جونسن. اعتراضات قانونية وسياسية مع هذه اللقاءات وبيانات وزارة الاتصالات في الأشهر الأخيرة، ظهرت اعتراضات عيدة، أهمها من نواب في لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب. وشمل الاعتراض النقاط الأساسية التالية: أوّلها كيفية حصول الشركة على الترخيص، والآلية القانونية التي يجب أن تتمّ حصراً من طريق الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، والتي للمفارقة شُكّلت الخميس بعد إقرار الاتفاق مع "ستارلينك". فلماذا لم تنتظر الحكومة وزارة الاتصالات بدء عمل الهيئة الناظمة ومن بعدها يتم إقرار "ستارلينك" بآلية واضحة؟ وكان عضو اللجنة النائب ياسين ياسين قد علّق على قرار مجلس الوزراء قائلاً: "ما حدث في مجلس الوزراء، بالإصرار على إقرار التعاقد مع "ستارلينك" من دون العودة إلى هيئة الشراء العام، ومن دون الأخذ بتوصيات لجنة الإعلام والاتصالات، هو قرار فاقد للمشروعية وبعيد من الشفافية". أضاف ياسين: "إن قبول نقل وتخزين بيانات اللبنانيين خارج الولاية القضائية، يضرب السيادة الرقمية ويعرّض الخصوصية والأمن الوطني للخطر، فالسيادة لا تتجزأ". وتابع متسائلاً: "ما هو موقف وزراء العدل والداخلية والدفاع من هذا التخلّي عن السيادة وعن أصول الاعتراض القانوني للاتصالات؟". وشدّد ياسين على اتخاذ الإجراءات اللازمة، "الطعن القانوني جاهز وسيُقدَّم أمام المراجع المختصّة". السيادة الرقمية على المحك أما الاعتراض الأخير، فهو حول حصرية الشراكة مع "ستارلينك"، من دون فتح باب المنافسة أمام شركات أخرى، وهو ما أصرّ عليه الوزير الحاج، بالرغم من أنه عقد اجتماعات مع شركة أخرى، لكنه لم يمرّر العرض عبر الآلية القانونية وعبر هيئة الشراء العام، ومن دون فتح باب المناقصات أمام الشركات لاختيار الأنسب للدولة اللبنانية. أما أبرز المخالفات التي سُجّلت في قرار الحكومة، فهي السماح لشركة "سبايس إكس" باستثمار الطيف الترددي مجاناً بغية بيع خدمات "ستارلينك" في لبنان. فوفقاً للقوانين اللبنانية، ولقانون الاتصالات الصادر العام 2002، فإن "استقدام الإنترنت الدولي إلى لبنان سواء عبر الكابلات البحرية أو الأقمار الاصطناعية يعدّ من الصلاحيات الحصرية للدولة اللبنانية، استناداً للمرسوم الاشتراعي رقم 126/1959 وقراراتٍ حكومية لاحقة، ومراسيم تنظيمية أبرزها المرسوم رقم 9288/1996 الذي يعهد إلى الدولة اللبنانية، ممثلة بوزارة الاتصالات وأوجيرو، تأمين السعات الدولية". وأيّ استقدام مباشر للسعات خارج هذه القنوات يعتبر مخالفة قانونية واضحة، ما لم يصدر قانون خاص بذلك، وبالتالي لا يمكن لأي شركة خاصة أن تستورد الإنترنت الدولي مباشرة من دون اتفاق قانوني وتنظيمي صريح مع الدولة. أما الترددات، فهي مرفق عام لا يجوز تخصيصه أو استغلاله من دون ترخيص صادر عن الهيئة الناظمة المنصوص عليها في القانون 431/2002، والتي تحدّد أن إدارة وتوزيع الطيف الترددي هي من صلاحية الهيئة الناظمة حصراً. من جهة أخرى، تكمن المشكلة الكبرى في موضوع "ستارلينك" في احتمال انتهاكها للسيادة الرقمية. إذ، وفقاً لقانون الاتصالات، يُحظّر خروج بيانات المواطنين من البلاد، أو استخدامها وتخزينها في دولة أخرى. لكن، نظراً إلى أنّ بيانات "ستارلينك" تُرسل إلى الأقمار الاصطناعية، ومن ثم إلى خوادم الشركة الأم، فمن هنا يُطرح سؤال: "إلى أين ستذهب هذه البيانات؟". كلفة مرتفعة حتى لو تخطّت "ستارلينك" الاعتراضات القانونية والسياسية (راجع المدن)، لا بد من الإشارة إلى أنّ الأفراد لن يتمكنوا من الاستفادة من خدماتها نظراً لكلفتها المالية المرتفعة. إذ يتراوح سعر معدّاتها الأساسية بين 350 و500 دولار أميركي، وهو مبلغ يُدفع مرّة واحدة عند شراء الصحن اللاقط مع جهاز توزيع الإنترنت في المنزل. وبعد ذلك، يدفع المشترك العادي مبلغاً يتراوح بين 42 و56 دولاراً أميركياً مقابل الاشتراك الشهري للمنازل. أمّا الشركات الراغبة في الاشتراك مع "ستارلينك"، فتدفع مبالغ إضافية، حيث تبلغ قيمة الاشتراك الشهري بسعة 500 غيغابايت، نحو 111 دولاراً، وهي كلفة كبيرة لا تتيح للمواطنين العاديين الاستفادة من جودة الإنترنت أو تأمينها في المناطق النائية. بين الترحيب بخدمة يُنظر إليها كخلاص من بطء الإنترنت اللبناني، والتحذير من انتهاك السيادة والخصوصية، يبقى ملف "ستارلينك" في لبنان محاطاً بالغموض وغياب الشفافية. وحتى تتضح هذه الإجابات، سيظل دخول "ستارلينك" إلى لبنان أقرب إلى صفقة مبهمة، تحمل وعوداً بالحداثة، ومخاطر بالتفريط بالسيادة في آن واحد. المصدر : صحيفة المدن ملاحظة: المواد المنشورة في هذا الباب تمثل آراء كاتبيها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقع. |