اخبار عربية ودولية > رجب معتوق يكتب:بأي حال يستقبل العمال العرب ذكري يوم العمال العالمي ...؟
وكالة أنباء العمال العرب:30-4-2015
تستقبل جماهير العمال العرب بعد أيام الذكرى السنوية لعيد العمال العالمي ، هذه الذكرى التي اصبحت يوما رسميا ليس للعمال العرب وحدهم بل لعمال العالم اجمع ، حيث يحيونها باستحضار الإنجازات التي حققوها ، والمطالب التي
يسعون لتحقيقها في ظل تعقد علاقات العمل ، وفي ظل أوضاع اقتصادية متردية ، وانقسامات سياسية حادة تنعكس عليهم وعلى مستقبلهم سلبا ، مما يراكم الى حجم معاناتهم أعباء إضافية ، ويجعلهم يبحثون عن ادوات جديدة وحديثة لنضالهم يستطيعون من خلالها تحقيق مطالبهم والاستجابة لها من قبل اصحاب العمل سواء كانوا أفرادا ام مؤسسات ام حكومات . ان العمال العرب وهم يستقبلون هذه المناسبة ، لاشك انه يملؤهم الأسى لما وصلت اليه الأمور ، ولما تداعت اليه الأحداث ، في المنطقة العربية برمتها . حيث كانوا يمنون أنفسهم بعد الحراك الجماهيري الذي شهدته معظم البلدان العربية خلال السنوات الماضية ، والذين كانوا جزءا أساسيا فيه ، بالأمل بمستقبل زاهر ملؤه الامن والأمان والطمأنينة والرفاهية والوئام الاجتماعي والسلم الأهلي ،الا انه وبكل أسف أتت لهم الرياح بما لا تشتهي سفنهم . فقد سجلت البلدان العربية خسائر مالية كبيرة كان يمكن لو وظفت في خطط ومشاريع تنموية مستدامة ان تحقق الرخاء والرفاهية للجميع وتقضي على جل الامراض المستعصية التي تعانيها مجتمعاتهم ، وفي مقدمتها البطالة التي كانت احد أسباب ذلك الحراك . فقد قدرت دراسة أعدها البروفيسوران ، بول ريفلين، وإسحاق غال، كلفة ما سمي ب “الربيع العربي”، نحو 800 مليار دولار، مع تسجيل تزايد في مستوى الفقر وانخفاض مستوى الخدمات العامة. كما قدر مصرف “HSBC” في تقرير له ، أن البلدان الأكثر تضرراً من ذاك الربيع " المشؤوم " هي مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، والأردن، والبحرين، ولبنان، وأن تلك الخسائر حدثت بين الأعوام 2011 ونهاية عام 2014. وبحسب تقرير المصرف، فإن هذه الخسائر تعادل 35% من ناتج هذه الدول الإجمالي، مشيرا إلى أن “عدد سكان هذه الدول مجتمعة سيرتفع ستة ملايين ليصل إلى 136 مليون نسمة، ونتيجة لذلك، فإن نصيب الفرد من الدخل سيكون أقل بما يقرب من 68% مما كان يمكن أن يكون دون هذه الاثار الكارثية . وتؤكد المؤشرات الإقتصادية عمق الأزمة، منها على سبيل المثال البطالة، التي بلغت في سوريا 48%، وفي اليمن 17.3%، وفي تونس 16%، وفي ليبيا 45 %، وفي مصر 13.5%. كما تشهد هذه الدول تزايداً ملحوظاً في مستوى الفقر وانخفاض مستوى الخدمات العامة، نتيجة تراجع معدلات النمو الإقتصادي، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة. بينما المشكلة الأبرز أمام هذا الواقع المستجد فهي العجز في الموازنات المالية، حيث تحاول بعض الدول سد هذا العجز من خلال الإقتراض من “صندوق النقد الدولي”، و”البنك الدولي”، كما جرى مع تونس، إضافة إلى السعي إلى طلب قروض خارجية، فيما تعاني دول أخرى، مثل مصر، من تعنت المؤسسات المالية الدولية، المرتبطة بالتعليمات الأميركية في التعاطي معها، لكنها وجدت جزء من الحل المؤقت في المساعدات، والقروض العربية وخاصة الخليجية منها . وفي ليبيا، الدولة النفطية وقليلة السكان ، تتعطل الموارد النفطية بسبب المشكلات السياسية ، والنزاعات المسلحة بين القوى المتصارعة على السلطة ، وتكاد الدولة تصل الى حافة الإفلاس ، أما اليمن فمنذ اللحظات الأولى هناك توجه للمؤسسات الدولية، ووعد بمؤتمر للمانحين لم يسفر بعد عن نتائج ملموسة تنمويا. وهناك من يقدر حاجة سوريا إلى 200 مليار دولار على الأقل لإعادة إعمار ما خربته الحرب الأهلية الجارية في هذا البلد منذ اربع سنوات ونيف . ولا تقل الأوضاع الاقتصادية في كل من موريتانيا والسودان وجيبوتي والصومال سوءا عن غيرها ، حيت تزداد نسبة الفقر ضراوة ، وتقفز مؤشرات البطالة جنونا في الارتفاع . ناهيك عن فقدان الامن وانتشار الجريمة والانقسام الطائفي والاثني والقبلي والعشائري في الوطن الواحد . اما عن عمال فلسطين فحدث ولا حرج ، فلا هم طالوا العنب ، ولا تمكنوا من قتل الناطور ..!! هذا .. وتشير التقارير الصادرة عن مؤسسات اقتصادية ومالية وبنوك عالمية، وتلك الصادرة عن المؤسسات الإقتصادية الدولية، إلى عمق المأساة، التي تولدت في البلدان العربية ، فعلى سبيل المثال يقدر “صندوق النقد الدولي” أن نمو الاقتصاد المصري خلال العام الجاري يتراوح بين 2.3% إلى 2.7% وهو ما يدل على استمرار الإتجاه التراجعي منذ العام 2010 . وتتراجع معدلات النمو في معظم البلدان العربية ذات الاقتصاد الريعي والتي تعتمد على الخدمات والسياحة . وتتبلورالمشاكل الإقتصادية للدول العربية في أبعاد قد تكون محددة في : أولاً: التراجع الواضح في معدلات النمو، ومن ثم في الإيرادات العامة، مع زيادة وارتفاع تكاليف المعيشة لأسباب داخلية عديدة. ثانياً: العجوزات المالية الكبيرة لدول الربيع العربي بسبب تزايد الإنفاق العام الناجم عن حرص الحكومات على استيفاء الإحتياجات الأساسية للسكان. ثالثاً: التراجع الكبير في موارد النقد الأجنبي لهذه الدول، واستنزاف احتياطاتها منه ، نتيجة لخروج رأس المال، وتراجع موارد النقد الأجنبي التقليدية . وهذا بطبيعة الحال ينعكس سلبا على الواقع المعيشي للعمال ، ويربك سوق العمل العربي ، ويضاعف من حجم معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، ويلقي بأعباء ومسئوليات نضالية إضافية على الحركة النقابية العمالية ، امام ما تعانيه هي ذاتها من حالات الانقسام والتشرذم وضعف الاداء في بعض منها، والتدخلات الخارجية التي تسهدف المزيد من التشتث في صفوف العمال وتنظيماتهم النقابية . على اية حال ، نحن هنا لا نرسم صورة قاتمة لحالتنا الراهنة بغرض احباط الهمم او نشر اليأس بين صفوف العمال . ولكننا نستقرئ الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لمجتمعاتنا وبلداننا ، حتي نستطيع ان نستشرف المستقبل وان نضع خطط تحركنا ونضالاتنا ، خاصة امام استشراء ظاهرة الإرهاب المجنون ، وانتشار الفوضى الأمنية ، والجماعات المسلحة غير المنضبطة وهو الامر الذي يدعو الحركة النقابية العربية الى وقفة جادة ومتعمقة امام كل ما يجري ، وان تمتن الجبهة الداخلية وتعزز التضامن والوحدة النقابية وتعمل على شحذ همم العمال وأن تتحلى بقدر اكبر من الوعي والصبر والجلد ، وتحمّل المشقة ، والثقة بالنفس ، و الطموح والتفائل ، وان تتنزه عن الاسفاف وصغائر الأمور والمعارك الهامشية والتافهة التي يحاول البعض ان يقودها اليها . في الختام وأي كان الواقع فعلينا مواجهته ، والأمم ترتقي بسواعد أبناءها ، ونحن واثقون من قدرة سواعدنا السمراء على تجاوز المحن مهما قست ، واستمرار الحال من المحال كما يقال ، ولابد ان يأتي اليوم الذي نتمكن فيه من الارتقاء بأوضاعنا عامة ، وان نسهم في النهوض ببلداننا يد بيد ، وكتف بكتف ، اخوة متحابون في الله والوطن ..وكل عيد عمال .. والعمال العرب بالف خير ، ومن تقدم الى تقدم بإذن الله .
*بقلم رجـب معتـوق الاميـن العـام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب