اخبار عربية ودولية > أوّل أيّار» استثنائي: دعوة إلى وقف التلاعب بأموال الشعوب
خوان سومافيا ¬ _ * مدير منظّمة العمل الدوليّة
يتظاهر عشرات الآلاف حول العالم في مناسبة الأول من أيار. ما الجديد في ذلك؟ في الواقع، الكثير. ألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها على العمّال، مبرزةً كيف أفقدت سياسات الاقتصاد المعتمَدة خلال العقود السابقة معنى العمل اللائق. يرى نموذج النموّ الحاليّ أنّ العمل هو كلفة إنتاج يجب إبقاؤها في أدنى المستويات الممكنة من أجل تعزيز التنافسية والأرباح. أمّا العمّال، فيُنظر إليهم على أنّهم مستهلكو كلّ أنواع القروض، بدلًا من أن يتمتّعوا بحصّة شرعية من خلال الأجور في الثروات التي يشاركون في خلقها. الرابح الوحيد في هذه المعادلة هو الرأسماليّة. لكن ما يفوتنا هنا هو أنّ العمل ذا النوعيّة يمثّل مصدر كرامة شخصيّة واستقرار عائليّ وسلام في المجتمع، وبالطبع مصدر صدقية لحوكمة ديموقراطية، لكنّنا فقدنا في أماكن كثيرة المفهوم الأساسي الذي يفيد بأنّ العمل ليس سلعة. بالتالي فإنّ الأوّل من أيار من هذا العام هو يوم غير اعتيادي، إنما يأتي في وقت حيث تدفع المصالح الراسخة إلى العودة إلى الأعمال المعتادة، بحجّة أنّ هذا الوضع ليس إلّا أزمة تُحلّ من خلال تطبيق الوصفات القديمة عينها. غير أن واقع الحال يقول عكس ذلك. هذا الاتجاه واضح في الاقتصادات المتقدمة، ولا سيما في منطقة اليورو، حيث تؤدي السياسات التي تحاول معالجة المستويات العالية جداً من الديون العامة إلى عجز اجتماعي أكبر يستدعي بدوره معالجة. عندما تقارب معدلات بطالة الشباب مستوى 50% في إسبانيا واليونان، فمن الواضح أننا شارفنا حدود الركود الناجم عن إجراءات التقشف. وهذا يناقض القيم التأسيسية للاتحاد الأوروبي، أي العدالة والتضامن اللذين كرّستهما كلّ المعاهدات الأوروبية الأساسية من روما إلى لشبونة. وهذا ينفي أيضاً أنّ سداد الديون يتطلّب نموّاً ووظائف. وتبتعد السياسات أيضاً عن اتفاقيات منظمة العمل الدولية، المصدّق عليها وتضرب عرض الحائط بالدور الأساسي الذي قد يؤديه الحوار الاجتماعي في أوقات الأزمة. نحن بحاجة إلى مقاربة مسؤولة اجتماعياً لضبط أوضاع المالية العامّة. من المهمّ، في أي نظام ديموقراطي الحفاظ على ثقة الشعوب الطويلة المدى، ولا سيّما المجموعات الأكثر تهميشاً، بدلًا من التمسك بالثقة القصيرة المدى للأسواق المالية. على الصعيد العالمي تعافى النظام المالي وأكبر الشركات من الأزمة رغم أنّ بعض الخبراء يدّعون أنّ بعض المصارف لا تزال «هشّة». ولقد أنفقت الحكومات مليارات الدولارات لضمان هذا الانتعاش. إلّا أنّ العمّال لم يلقوا المعاملة ذاتها. فهؤلاء الأشخاص الذين يحتجّون في الأول من أيار يساورهم شعور بأنّ المصارف أكبر من أن تنهار، فيما هم أصغر من أيّ اهتمام. إذاً ما العمل؟ باعتقادي نحتاج إلى تغيير نموذج النموّ العالمي الحاليّ. صحيح، أنّ هذا النموذج استحدث كميات هائلة من الثروات إلا أنها ثروات تتركز في أيدي أقليّة. فهذا النموذج فشل في إنتاج النموّ الإشراكي المنشود، الذي نعتقد به. نحن بحاجة إلى نموّ صديق للبيئة، يركّز على حاجات السكان. هذا يعني نموذجاً هدفه الأول تعزيز الرفاه العامّ للسكان، وخفض عدم المساواة وقياس النجاح من خلال عدد وظائف الجودة المستحدثة، لا نموّ إجمالي الناتج المحلي. يجب أن يكون النظام المالي في خدمة الاقتصاد الحقيقيّ، لا التلاعب بأموال الشعوب. وعلى المصارف أن تعود إلى دورها الأصلي والقيّم، ألا وهو إقراض الشركات المستدامة للسماح لها بالاستثمار واستحداث وظائف. يجب أن يكون الاستخدام والسياسات الاجتماعية والبيئيّة الوثيقة الصلة بسياسات الاقتصاد الكلي. أما الوضع الحالي، فهو ليس كذلك. في حقبة تُعرف بتوافق آراء واشنطن، وحسب التقاليد بأنّ أسواق العمل الإشراكية التي تؤمّن وظائف الجودة والحماية الاجتماعية وحقوق العمّال تسجّل أداءً ضعيفاً. فالحقيقة، أنّ البلدان التي استثمرت في السياسات الاجتماعية الطويلة المدى وبناء القدرات شهدت نمواً أكثر استقراراً. وأصبح العديد منها أكثر تنافسيّةً ويتعافى على نحو أسرع من البلدان التي اختارت مسار التقشف المالي. يجب علينا الاتجاه نحو عولمة أكثر عدالةً ومراعاةً للبيئة، واستدامةً تلبّي طموحات السكان من أجل عيش لائق. هذا يعني نفاذاً تدريجياً إلى عمل بأجر جيّد مع ضمان حقوق العمل. على هذا النحو برزت الطبقات الوسطى على عدّة مراحل في مختلف البلدان. ولهذا السبب تواجه هذه الطبقات تهديداً مع تضاؤل فرص العمل اللائق والخروج من الفقر. تنطبق هذه المشاغل على كلّ البلدان. ولا يستطيع أيّ بلد أو منطقة القيادة بانفراد. فالمضي قدماً نحو حقبة جديدة من العدالة الاجتماعية يتطلّب التعاون والحوار، والأهمّ من ذلك القيادة. القيادة التي تغذيها القيم الإنسانية ـــــ وفي الصدارة احترام كرامة العمل والعمّال.